تعفن الدماغ: ما هو وكيف يؤثر على برامج التدريب المؤسسي؟

تعفن الدماغ

هل سمعت يومًا بمصطلح “تعفن الدماغ” (Brain Rot)؟ اختير هذا التعبير ليحظى بلقب مصطلح العام في 2024 من قِبل قاموس أكسفورد بعد تصويتٍ شارك فيه أكثر من 37 ألف شخص.

يمكن تفسير المصطلح بطرقٍ مختلفة. في سياق غير طبي، يُعد “تعفن الدماغ” تعبيرًا غير رسمي يوضح كيف أن نقص الأنشطة المحفزة أو المليئة بالتحديات الذهنية يمكن أن يجعل الشخص يشعر بأنه يفقد القدرة على التفكير بسرعة أو بشكلٍ نقدي.

بمعنى آخر، إذا لم نُدرّب أدمغتنا على مواجهة التحديات، فقد نَشعر بأنّ قدراتنا العقلية أو الفكرية تتراجع تدريجيًا.

التدهور نتيجة الاستخدام المفرط لتطبيقات التواصل الاجتماعي

تعفن الدماغ

على الرغم من استخدام المصطلح لأول مرة عام 1854 من قِبل هنري ديفيد ثورو، في كتاب “والدن” (بالإنجليزية: Walden)، إلّا أنّه اكتسب أهمية في السنوات الأخيرة بسبب الظاهرة الملحوظة في المجتمع… هل تذكر عندما تُقرر فتح تطبيقات التواصل الاجتماعي “لإلقاء نظرة خاطفة”، وما تلبث أن تُدرك أنّك قضيت ساعاتٍ في تصفحها؟

أو عندما تتلقى إشعارًا على هاتفك المحمول، فتتوقف عن كل ما تفعله لتفقُّده، وبدون أن تُدرك، تدخل في دوامةٍ تتصفح فيها تطبيقات التواصل وتشاهد مقاطع فيديو عشوائية؟

هذا السلوك الذي يبدو بسيطًا له علاقة وطيدة بـ”تعفن الدماغ”، والكثير من الأشخاص قلقون بشأن هذا الأمر (ولسببٍ وجيه).

الحقيقة هي أنّ أدمغة الناس لا “تتعفّن” فعليًا بسبب الاستخدام المُفرط لتطبيقات التواصل الاجتماعي، إنّها مجرد استعارة بلاغية قوية لوصف حالة الخمول الذهني/تدهور القدرات الذهنية.

ولكن هذه الظاهرة تَحدُث لأنّ دماغك مُهيّأ لتوفير الطاقة. وهنا يأتي دور الدوبامين. إنّه ناقل عصبي يعمل بطرق مختلفة في الجهاز العصبي ويرتبط بالحالة المزاجية والشعور بالمتعة والرضا.

ويُنشّط هذا الناقل العصبي عندما تُبدي إعجابك بصورةٍ ما، أو تشاهد مقطع فيديو، أو تتفاعل على تطبيقات التواصل الاجتماعي؛ إنّها متعة تتحقق دون بذل مجهودٍ يُذكر (وهذا هو بالتحديد الهدف الرئيس لتطبيقات التواصل الاجتماعي، وهو جعلك تمضي ساعاتٍ طوال في هذه التفاعلات).

ولكن لدينا مشكلة في هذا الوضع. هذه الجرعات الصغيرة من المتعة الفورية، كمشاهدة مقاطع الفيديو القصيرة؛ تجعل الدماغ يعتاد على الكسل والخمول الذهني.

هذا لأنّ الدماغ يفقد تدريبه العقلي ويعتاد على الأمور السهلة والبسيطة. ونتيجةً لذلك؛ يبدأ في المعاناة لفَهم المحتويات الأكثر تعقيدًا وعمقًا، وتصبح الدراسة أكثر صعوبة، ليس بسبب الإهمال أو التقصير، ولكن بسبب نقص التدريب العقلي.

يستهلك الناس محتويات سطحية وغير محفِّزة للتفكير، وخاصة تلك الموجودة على تطبيقات التواصل الاجتماعي، وهذا يؤثر سلبًا على الصبر، والتركيز، والقدرة على تعلّم أشياء جديدة.

وكيف يؤثر تعفن الدماغ على برامج التدريب المؤسسي؟

يشير مفهوم “تعفن الدماغ” عند تطبيقه على سياقات الأعمال وبرامج التدريب عادةً إلى ركود أو تدهور في سرعة البديهة والقدرات الذهنية للموظفين.

في معظم الأحيان، يحدث هذا بسبب المهام الروتينية المتكررة، أو نقص التحديات المحفزة، أو بيئة عمل لا تُشجع على النمو الفكري والتطور. ويمكن أن يكون لهذه الحالة تأثيرات مختلفة على برامج التدريب المؤسسي، مثل:

  • انخفاض فعالية التدريب: قد يواجه الموظفون الذين يعانون من تعفن الدماغ صعوبة في استيعاب المعلومات أو المهارات الجديدة لأنّهم غير معتادين على التحديات الإدراكية أو التفكير النقدي والإبداعي.
  • قلة الدافع للمشاركة: إذا شعر الموظفون بأنّ عملهم اليومي رتيب وغير محفز، فقد يصبحون غير مبالين أو غير مهتمين بالمشاركة في برامج التدريب. وقد يَنظرون إلى التدريب على أنّه مهمة روتينية أخرى بدلًا من فرصة للنمو والتطور الشخصي والمهني.
  • صعوبة التأقلم مع التغيير: قد يواجه الموظفون المعتادون على روتين عمل ثابت صعوبة في التأقلم مع التغييرات أو الابتكارات المُقدمة أثناء برامج التدريب. ويمكن أن يُسبّب تعفن الدماغ مقاومة للتغيير، حيث قد يُفضل الموظفون اوالبقاء في مناطق الراحة الخاصة بهم.حتالؤ ر يؤقؤءءسئ
  • تراجع الابتكار والإبداع: أحد علامات “تعفن الدماغ” هو نقص الإبداع والابتكار. ففي برامج التدريب التي تتطلب تفكيرًا إبداعيًا أو حل مشكلات معقدة، قد لا يتمكن الموظفون المتأثرون من المساهمة بفعالية أو تقديم أفكار جديدة ومبتكرة.
  • زيادة الحاجة إلى التدريب التكراري: عندما يكون الموظفون غير معتادين على ممارسة قدراتهم الإدراكية، فقد يحتاجون إلى مزيدٍ من التكرار والمراجعة أثناء التدريب لاستيعاب المواد التدريبية بالكامل، ممّا يزيد من التكلفة والوقت اللازميْن للتدريب الفعال.

هل يمكن التغلب على هذا الوضع؟

تعفن الدماغ

يُمثل تحدي تعفن الدماغ مشكلة كبيرة لأنّنا نتحدث عن سلوك شخصي يتمثل في الاستهلاك المفرط للمحتوى على تطبيقات التواصل الاجتماعي.

ولكن الخبر السار هو: نعم، يمكن للمنظمات أن تتصرف بشكلٍ استباقي مع الموظفين لمنعهم من الانخراط في هذه الدورة ولضمان عدم تأثّر أدائهم في برامج التدريب. إليك الطريقة:

1. ضمان التنمية المستدامة للموظفين

يساعد الحفاظ على تعلّم الموظفين باستمرار من خلال برامج التدريب على تعزيز نموهم الشخصي والمهني.

ودائمًا ما نؤكّد في ES Learning أنّ التعليم يمتلك القدرة على تغيير حياة الأفراد؛ لأنّهم يتطورون ويبدأون في الحصول على فرص للارتقاء في حياتهم المهنية، وتحسين مستوى الدخل، وتحقيق طموحاتهم وأهدافهم.

فالتعلم المستمر مدى الحياة يمنع الوقوع في براثن الجمود الفكري، ويُحافظ على أذهان الموظفين متقدة ونشطة.

2. إعداد برامج تدريبية تُنتج محفزات فكرية

يمكن لبرامج التدريب المنتظمة والمليئة بالتحديات الذهنية أن تُوفّر المحفزات الفكرية اللازمة للحفاظ على عقول الموظفين متفاعلة ونشطة.

خطّط لبرامج التدريب التي يمكن قياسها وتقييمها، ولا تقتصر على تقييم ما إذا كان قد حدث نقل للمعرفة فقط من خلال الاختبارات التي تلي التدريبات.

يمكنك، على سبيل المثال، الاتفاق مع الموظفين على تسليم دراسات حالة عملية، بحيث لا يحصل المتدرّب على الشهادة إلّا إذا طبّق المعرفة المكتسبة عمليًا.

3. مواءمة الابتكار والإبداع

يمكن أن يُلهم التعرّض للمعارف والمهارات الجديدة الابتكارَ والإبداع، وذلك لدى مصممي المحتوى التدريبي والمتدربين على حد سواء.

تُشجّع برامج التدريب المُصممة جيدًا الموظفين على التفكير خارج الصندوق، ممّا قد يمنع الشعور بتعفن الدماغ.

يمكن أن يُساعد تطبيق برامج تدريبية تتحدى الموظفين على التفكير النقدي وحل المشكلات المعقدة في تنشيط مهاراتهم العقلية وقدراتهم الذهنية الكامنة.

4. اعتبار برامج التدريب فائدة للصحة العقلية

بالإضافة إلى الفوائد الإدراكية، يمكن أن يكون لبرامج التدريب أيضًا تأثير إيجابي على السلامة العقلية والنفسية للموظفين من خلال تقليل مشاعر النقص أو الإحباط المهني.

يمكن أن يؤدي تعلّم مهارات جديدة إلى زيادة الثقة بالنفس ومستوى الرضا الوظيفي.

5. التعلّم المُصغّر

يمكن لمنهجية التدريب هذه، والموجودة منذ سنوات؛ أن تصبح وسيلة فعالة للتغلُّب على الأجيال المتأثرة بشدة بـ تعفن الدماغ: نحن نتحدث عن التعلّم المُصغّر.

التعلّم المُصغّر (Microlearning) هو نهج تعليمي ينقل جرعات صغيرة من المعرفة في فترة زمنية قصيرة.

الهدف من التعلّم المُصغّر هو بناء محتوى متكامل المعالم من خلال أجزاء صغيرة، في شكل جلسات تعليمية قصيرة.

6. تجربة طرق تدريب مختلفة

التعلّم القائم على الألعاب، والمحاكاة، وبرامج التدريب عبر الإنترنت، والتدريبات التفاعلية، والتعلّم القائم على المشروعات؛ هي مجرد أمثلة قليلة على طرق التدريب التي يمكنك تطبيقها.

يمكن أن يُساعد التنوع في هذا المضمار في الحفاظ على تفاعل الموظفين وتحفيزهم المستمر.


وفي خضم هذا العصر الرقمي المتسارع، يصبح التصدي لـ “تعفن الدماغ” تحديًا حقيقيًا يواجه المنظمات.

ولكن، كما رأينا، هناك حلول عملية يمكن تطبيقها، تبدأ بتبنِّي استراتيجيات تدريبية مبتكرة ومحفزة.

فالاستثمار في تطوير القدرات الذهنية لموظفيك، وتقديم برامج تدريبية غنية بالتحديات الفكرية، ليس مجرد ميزة إضافية، بل هو ضرورة استراتيجية للحفاظ على تنافسية منظمتك وفاعليتها في عالم دائم التغير.

ES LEARNING
ES Learning سعداء بتواصلكم
مرحبا 👋 كيف يمكننا مساعتدكم؟
تواصل معنا عبر واتساب