يُعدّ التخطيط الاستراتيجي أداة أساسية لأي منظمة ترغب في تحقيق أهدافها طويلة المدى بشكل مستدام وفعال.
وتمثّل بطاقة الأداء المتوازن (BSC)، التي ابتكرها روبرت كابلان وديفيد نورتون في تسعينيات القرن العشرين، إحدى أكثر منهجيات التخطيط الاستراتيجي شيوعًا وفاعلية.
تستخدم أكثر من 50% من الشركات العالمية المتوسطة والكبيرة، بما في ذلك أسماء كبيرة مثل “أبل” و”فولكس فاجن”، بطاقة الأداء المتوازن في الوقت الحالي لمراقبة أدائها المؤسسي وضبطه بشكل مستمر.
وسنستكشف في هذه المقالة العلاقة بين التخطيط الاستراتيجي وبطاقة الأداء المتوازن، موضحين كيف يمكن لهذا المزيج القوي أن يعزز فاعلية المنظمات، ويضمن تكيفها بسرعة مع تغيرات السوق وتحدياته.
ما العلاقة بين التخطيط الاستراتيجي وبطاقة الأداء المتوازن؟
يجب فهم ما يمثله كل من هذه المفاهيم، وكيف يكملان بعضهما البعض في الإدارة المؤسسية، قبل استكشاف العلاقة بين التخطيط الاستراتيجي وبطاقة الأداء المتوازن.
تعريف التخطيط الاستراتيجي
يمثل التخطيط الاستراتيجي العملية التي تحدد من خلالها المنظمة أهدافها طويلة المدى، ورؤيتها، والخطوات اللازمة لتحقيق هذه الأهداف.
يشمل التخطيط تحليل البيئة الداخلية والخارجية للمنظمة، وتحديد:
- نقاط القوة.
- نقاط الضعف.
- الفرص.
- التهديدات.
وتحدد التوجهات الاستراتيجية التي ستوجه أعمال المنظمة بناءً على هذا التحليل، مع التركيز على النمو، والابتكار، والتكيف مع تغيرات السوق.
تعريف بطاقة الأداء المتوازن
بطاقة الأداء المتوازن (BSC) هي أداة إدارية تترجم التخطيط الاستراتيجي للمنظمة إلى مجموعة من المؤشرات القابلة للقياس، مما يتيح المتابعة المستمرة لتنفيذ الاستراتيجية.
ولا تقتصر البطاقة على المؤشرات المالية، بل تشمل أيضًا جوانب أساسية مثل:
- أداء العمليات الداخلية.
- رضا العملاء.
- التعلم المؤسسي.
وتوفر بطاقة الأداء المتوازن رؤية شاملة للمنظمة، وتتيح مواءمة تنفيذ المهام اليومية مع رؤية المنظمة طويلة المدى.
ولكن، ما العلاقة بين التخطيط الاستراتيجي وبطاقة الأداء المتوازن؟
العلاقة بين التخطيط الاستراتيجي وبطاقة الأداء المتوازن واضحة ومباشرة: يحدد التخطيط الاستراتيجي توجهات المنظمة وأهدافها العامة، بينما بطاقة الأداء المتوازن هي الأداة التي تحول هذه الأهداف إلى إجراءات ملموسة وقابلة للقياس.
فوائد استخدام بطاقة الأداء المتوازن في التخطيط الاستراتيجي
يوفر تطبيق بطاقة الأداء المتوازن في التخطيط الاستراتيجي مجموعة من المزايا التي تعزز تنفيذ الأهداف المؤسسية، وتضمن التكيف المستمر مع بيئة الأعمال.
وإليك أهم هذه المزايا:
تحسين التواصل الداخلي
تعمل بطاقة الأداء المتوازن كأداة تواصل داخل المنظمة. وتسمح البطاقة بالتعبير بوضوح عن الاستراتيجيات على مختلف مستويات المنظمة، مما يضمن فهم جميع الموظفين لمهمة المنظمة ورؤيتها وقيمها وأهدافها، وكيفية مساهمة جهودهم الفردية في النجاح العام.
وتعزز البطاقة أيضًا مشاركة المعلومات بطريقة منظمة، مما يسهل الشفافية، ويقلل من احتمالية سوء الفهم. ويؤدي ذلك إلى زيادة التماسك والتعاون بين الفرق.
مواءمة الفرق
تربط بطاقة الأداء المتوازن الأهداف الاستراتيجية للمنظمة بمؤشرات الأداء والأنشطة اليومية لكل مجال، مما يضمن عمل جميع الفرق في الاتجاه نفسه.
ويعني هذا أن البطاقة تتيح لكل قسم أو موظف فهم مساهمته في الأهداف العامة للمنظمة بوضوح، مما يعزز المشاركة القوية، ويزيد من الكفاءة التشغيلية.
وتضمن المواءمة أيضًا توجيه جميع الموارد بطريقة استراتيجية، وتجنب تكرار الجهود أو تنافرها.
وضوح الأولويات
تساعد بطاقة الأداء المتوازن في توضيح أولويات المنظمة من خلال تحديد مؤشرات الأداء الرئيسية الأكثر صلة بالنجاح المؤسسي.
ويسهل هذا الوضوح اتخاذ القرارات، ويضمن معرفة جميع الموظفين أين يركزون جهودهم.
وتسمح الأولويات المحددة جيدًا أيضًا بتحسين إدارة الموارد، والاستفادة المثلى من الوقت والمال والأفراد.
وللتوضيح: عندما تكون الأولويات واضحة؛ يمكن الاستجابة بشكل أسرع وأكثر فاعلية للتغيرات في بيئة الأعمال.
المتابعة المستمرة للتقدم
تعد القدرة على متابعة التقدم بشكل مستمر وديناميكي واحدة من أكبر مزايا بطاقة الأداء المتوازن.
وتوفر البطاقة رؤية للنتائج في الوقت الفعلي مقارنة بالأهداف المحددة، مما يتيح للمديرين مراقبة تنفيذ الاستراتيجية بكفاءة أكبر.
ويمكن ضبط النهج بسرعة في حال ظهور انحرافات أو صعوبات، والحفاظ على المنظمة على المسار الصحيح لتحقيق أهدافها. وتسهل المتابعة المستمرة أيضًا إجراء التعديلات الاستراتيجية بشكل أكثر مرونة وفاعلية.
كيفية إعداد التخطيط الاستراتيجي باستخدام بطاقة الأداء المتوازن
1. تحديد الرؤية والرسالة
يمثل تحديد الرؤية والرسالة نقطة الانطلاق لأي تخطيط استراتيجي. وتصف الرؤية المكان الذي تريد المنظمة الوصول إليه في المستقبل، بينما تحدد الرسالة الغرض من المنظمة وسبب وجودها.
- الرؤية: يجب أن تكون الرؤية عبارة واضحة وملهمة توجه جميع أعضاء المنظمة. ويجب أن تصف الرؤية المكان الذي ترغب المنظمة في الوصول إليه خلال ثلاث أو خمس أو عشر سنوات مقبلة. والرؤية ضرورية لمواءمة التوقعات وتوجيه الجهود.
- الرسالة: تحدد الرسالة هوية المنظمة، وتوضح ما تفعله، ولمن تفعله، وكيف تفعله. وتعمل الرسالة كدليل لاتخاذ القرارات اليومية.
وبعد تحديد هذه المفاهيم، يمكن للمنظمة تحديد أهداف استراتيجية واضحة وملموسة طويلة المدى. وستوجه هذه الأهداف جميع الإجراءات والمبادرات التي ستتخذ خلال السنوات القادمة.
2. تفصيل الأهداف
تتمثل الخطوة التالية، بعد تحديد الأهداف الاستراتيجية، في ترجمتها إلى منظورات بطاقة الأداء المتوازن الأربعة، التي تعد مجالات أساسية للنجاح المؤسسي:
- المنظور المالي: يحدد النتائج المالية المطلوبة، مثل زيادة الإيرادات، وخفض التكاليف، والربحية. ويساعد المنظور المالي على ضمان تحقيق الأهداف الاستراتيجية عائدًا ماليًا للمنظمة.
- العملاء: يشير إلى رضا العملاء وولائهم. وهنا، يجب أن تركز المنظمات على فهم احتياجات العملاء، وتحسين تجربتهم، وتوسيع قاعدة العملاء.
- العمليات الداخلية: يركز على التحسين المستمر للعمليات الداخلية، والسعي إلى زيادة الكفاءة والفعالية التنظيمية. ويمكن أن يشمل هذا تحسين العمليات، والابتكار، وإدارة الجودة.
- التعلم والنمو: يشير إلى تطوير القوى العاملة والابتكار. ويعد التعلم المستمر، وتمكين الموظفين، والتكيف مع التغيرات التكنولوجية أمورًا أساسية لضمان استعداد المنظمة لتحديات المستقبل.
3. إنشاء مؤشرات الأداء
بعد تحديد المنظورات، يحين الوقت لإنشاء مؤشرات تساعد على قياس التقدم في كل مجال. ويجب أن تكون هذه المؤشرات محددة وقابلة للقياس وقابلة للتحقيق وذات صلة ومحددة زمنيًا، أي ذكية (SMART).
أمثلة على المؤشرات:
- المنظور المالي: عائد الاستثمار (ROI)، وزيادة صافي الربح.
- العملاء: مؤشر رضا العملاء (CSAT)، وصافي نقاط الترويج (NPS).
- العمليات الداخلية: زمن دورة العمليات، ومعدل ابتكار المنتجات.
- التعلم والنمو: معدل دوران الموظفين، وساعات التدريب لكل موظف.
وستستخدم هذه المؤشرات لمراقبة تنفيذ الاستراتيجيات، وتقييم ما إذا كانت المنظمة تتقدم في الاتجاه الصحيح.
4. تحديد الأهداف
بعد تحديد المؤشرات، تتمثل الخطوة التالية في وضع أهداف محددة لكل منها. وتساعد الأهداف على إعطاء وضوح بشأن ما يجب تحقيقه في فترة زمنية محددة. ويجب أن تكون الأهداف طموحة، ولكن قابلة للتحقيق، ومرتبطة مباشرة بالأهداف الاستراتيجية.
أمثلة على الأهداف:
- المنظور المالي: زيادة صافي الربح بنسبة 10% بحلول نهاية العام.
- العملاء: تحقيق صافي نقاط ترويج (NPS) بنسبة 85% في الربع القادم.
- العمليات الداخلية: تقليل زمن دورة الإنتاج بنسبة 20% بحلول نصف العام القادم.
- التعلم والنمو: إتمام 40 ساعة تدريب لكل موظف بحلول نهاية العام.
ويجب مراقبة هذه الأهداف بانتظام لضمان أن المنظمة تسير على الطريق الصحيح، وضبط الاستراتيجية حسب الضرورة.
5. الإجراءات والمبادرات
والآن، يحين الوقت لتخطيط الإجراءات اللازمة لتحقيق الأهداف المحددة. وتمثل هذه المبادرات الخطوات الملموسة التي ستتخذها المنظمة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية. ويجب أن تكون الإجراءات مفصلة، مع تحديد المواعيد النهائية والمسؤولين، حتى يمكن متابعة التقدم عن كثب.
أمثلة على الإجراءات:
- المنظور المالي: تنفيذ استراتيجية مبيعات جديدة لزيادة الإيرادات.
- العملاء: تحسين خدمة العملاء من خلال تدريب الفريق، وإدخال تحسينات على الدعم.
- العمليات الداخلية: الاستثمار في أتمتة العمليات، وإعادة هندسة العمليات.
- التعلم والنمو: إطلاق برامج لتطوير القيادة، وزيادة ميزانية التدريب.
ويمكن أن تشمل هذه المبادرات التعاون بين مختلف الأقسام، وستكون ضرورية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية.
6. المراقبة والتعديلات
تتمثل الخطوة الأخيرة في المراقبة المستمرة للتقدم؛ لأن التخطيط الاستراتيجي ليس عملية ثابتة، لذا من المهم إجراء تعديلات عند الضرورة لضمان سير المنظمة في الاتجاه الصحيح.
وتسهّل بطاقة الأداء المتوازن ذلك من خلال توفير رؤية واضحة وموضوعية لأداء المنظمة في كل منظور.
أمثلة على المراقبة:
- عقد اجتماعات دورية لمراجعة مؤشرات الأداء.
- تحليل ما إذا كانت النتائج متوافقة مع الأهداف المحددة، وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تعديل.
- المتابعة المستمرة للإجراءات للتحقق من تنفيذها وفق ما خطط له.
أتقن فن التخطيط الاستراتيجي.. وانضم إلى دورة “التصور الاستراتيجي”!
بعد أن استعرضنا أهمية التخطيط الاستراتيجي، حان الوقت لاكتساب المهارات اللازمة لتطبيقه بفعالية. هل أنت مستعد لقيادة التغيير وتحقيق النجاح الاستراتيجي لمنظمتك؟
انضم إلينا في دورة “التصور الاستراتيجي: التخطيط الاستراتيجي باستخدام الوسائل البصرية“، واكتسب أدوات ومنهجيات مبتكرة تمكنك من التخطيط الاستراتيجي بكفاءة عالية. تعلم كيفية استخدام الوسائل البصرية لتعزيز تفاعل فريقك، وتسريع عملية التخطيط، وتحقيق نتائج ملموسة.
لا تفوّت هذه الفرصة! سجّل الآن في دورة “التصور الاستراتيجي”، واستعد لقيادة منظمتك نحو مستقبل أكثر نجاحًا.